-A +A
ياسر عبدالفتاح (جدة ) okaz_online@

أعادت فترات الحظر المنزلي سطوة ربات البيوت أمام نفوذ المعتزلين الرجال.. يقول صاحبي، «الزول» المعتزل في الدار: الذي أجبرني على المُر، من «هي» أمّر منه، إذ اعتاد قبل «الحقبة الكورونية» على استهلاك طاقاته ووقود سيارته ونقوده في ارتياد المقاهي والاستراحات قبل أن يجبره الفايروس على اقتسام المهمات المنزلية مع من يطلق عليها، «أم المعارك». لا تقتصر المهمات والواجبات على مراجعة دروس الأولاد إذ تعدت إلى إتقان صنع المحشي و«فنون الأداء الوردي في طبخ المندي».

صحيح أن الجائحة المميتة، وقد فرضت على القرية الكونية الصمت، وعلى رجالها الأشداء في أركان الدنيا الأربعة البقاء في منازلهم بالقانون، فإن الجانحة ذاتها بتداعياتها الخطيرة، أعادت توازن القوى إلى البيوت، ولم تعد الزوجة هي صاحبة النفوذ والسيطرة، بعدما أظهر نصفها الآخر مواهب عظيمة في الإدارة والمشاركة، لا يعكر صفوه إلا تلك التقارير الصحفية التي أشارت إلى أن حصانة بيولوجية مضادة تتمتع بها المرأة تمنع عنها فايروس كورونا مقابل الاستعداد الفطري للرجل في استقبال الجائحة المميتة، ما دفع أحد الظرفاء إلى اتهام النساء بإطلاق الفايروس الاصطناعي العظيم مستدلاً في ذلك بأن معظم ضحايا المرض من الرجال ومن دلائل تورطهن أيضاً إلغاء مباريات كرة القدم باعتبارها خصماً تقليدياً للنساء ثم إغلاق المقاهي والاستراحات وإرغام الأزواج على البقاء مع زوجاتهم طوال ساعات منع التجول في سجن مؤقت مع الأشغال الشاقة!

كشفت الجائحة المزعجة للرجال، حجم المهمات الصعبة التي ظلت تؤديها النساء في صمت دون ضجر، كمراجعة الواجبات المدرسية للأولاد وفض اشتباكاتهم وغسل الأواني ثم طبخ ما يشتهي سي السيد الذي كان يأتي إلى داره في الساعة الثالثة ليجد كل شيء مرتباً لراحته وضمان عدم تعكير صفوه دون أن يعلم أن يداً رقيقة حانية تولت الترتيب والتنظيف في ساعات غيابه. أما عنترة فقد استبق القوم في الحظر المنزلي قبل الكورونا بمئات السنين جالساً في داره:

ولولا فتاةٌ في الخيامِ مقيمةٌ

لما اخترت قرب الدار يوماً على البعد!

على خلاف، الشاعر العربي الكبير بن شداد، أخذ الإثم ببعضهم للفرار من الحبس المنزلي. هل سمعتم بالزوج الأوروبي الذي تخفى في هيئة شجرة ونزل إلى الشارع هروباً من نكد نصفه الآخر طوال ساعات الحظر؟

يقول صاحبي، إن الواجب المنزلي الذي فرض عليه أثناء ساعات المنع بغسل الأطباق، دفعه (بغير سوء نية بالطبع) إلى كسر أوانٍ منزلية عزيزة أهدتها إليها أمها، ولم تجد المغلوبة على أمرها غير الدموع تعبيراً عن حزنها على فقيدتها الغالية، فأنشد لها قصيدة نزار:

بعض النسـاء وجـوههنَّ جميلة

ويصرن أجمل عندما يبكينا!